نقرا ديوان الشاعرة "أعراس الماء" فننفذ إلى مدائن الاحتجاج والتمرد على الأوضاع القائمة بلغة أشارية طورا ولغة مباشرة طورا آخر. ولكن إزاء ماذا تعبر الشاعرة عن احتجاجها؟ إزاء السلطة؟ بكل تلويناتها العقائدية والسياسية والاجتماعية؟ إزاء الأخر؟ إن في قصائدها نبرات تتكرر من الثورة والاحتجاج إزاء المدينة التي هي سجن كبير وتبدو الشاعرة إزاءها "ينبوعا من الغضب". إنها في حراك ثوري دائم ،حراك تستمد أدبياته من فصول من التراث الإنساني القديم ومن ومضات من التاريخ الحديث. في قصائدها نبرتان، نبرة الاحتجاج الممهور برمزية اللون الأحمر ونبرة الأزهار والورود والياسمين ولكن إلى أي مسار سيتجه الديوان؟ والى أي مسار سيتجه إليه التاريخ؟ إن الشاعرة لا تخفي غربتها في هذا العالم ولا تخفي قلقها من أشيائه ومن علاقاته. إنها لا تجد السلوى في الروحانيات الكلاسيكية ولا في العنتريات الثورية وإنما في الحلم. هذا الحلم الذي تراه في عين الشهيد وفي ملامح امرأة وفي وجه طفل. إن الشاعرة تشتغل بالحلمي والرؤيوي اشتغالها بالسياسي الذي هو البنية الإيديولوجية لهذا الديوان إذ أنها لا تكف عن إدانة أوضاع قائمة وسياسات مسطورة وفي الآن نفسه تصوغ صورا من الخراب القيمي والفكري الذي ران على البلاد والعباد وهي لا ترى الخلاص في الإيمان الروحاني ولا في اللواذ بالماضي ولا في الأسطوري ولا في الجمالي وإنما في الأشياء الصغيرة وفي ولادة آمل جديد في "ريق الياسمين". إنها ترى هذا الخلاص قريبا وتشير إليه بالبنان وفي انفتاح الحلم وفي عنفوان الجسد وفي مقاومة النسيان وفي ملامح طفل تنظم من اجله قصيدة وفي امرأة من الشام واليمن وتونس تحمل أمل الولادة لعصر ممكن متشح بنور القمر والياسمين وبقطرات الندى. في شعر أم الزين المسكيني ما يدل على إننا إزاء ديوان لا يتطور بفضل الوعي النسوي وإنما من خلال الوعي السياسي الذي هو المادة الشعرية لهذه القصائد وهذا الوعي يخلق في النص الشعري رمزيات جميلة واشاريات بليغة مثلما يخلق نوعا من المباشرية التي تنشا لما تخذل الصورة الشعرية الشاعرة .ولكن ما نراه فريدا في هذا الديوان هو في ان المدى الثوري والاحتجاجي لا يتطلب مفاهيم كبرى بالضرورة وإنما قربا أكثر من الإنسان والطفل والمرأة والشهيد وهو ما ميز البنية السياسية والإيديولوجية لديوان "أعراس الماء".