في حانوت حجام بسوق البلاط تعلم الصبي مصطفى الكلام والحجامة في رؤوس اليتامى، بعدما تسكع طويلا في الأزقة وفي الدّروب وخالط المنحرفين والمعدمين مثله من صبية ومن غلاظ الفتيان، ولكي لا يموت جوعا التقط أعقاب السجائر من أمام حانات باب البحر ليبيعها إلى السكارى، حتى نقلته يد الأقدار من بؤر المدينة إلى سرايا باردو حيث رفعة المقام التي حوّلته إلى مرتبة غلام فسحر الصادق باي بطلعته البهية وبمعسول الكلام وبما أغدق عليه من فنون الإغراء والغواية حتى صار حظيّه المحبوب وسمعه وعينه على كل السرايا وبذلك ركب على الرؤوس والأكتاف مستعملا فنون المراوغة والكذب والالتفاف، متدرجا من دنيا الوضاعة إلى دنيا الكياسة والسياسة